dimanche 23 octobre 2016

التقويم التربوي و الديداكتيكي

التقويم التربوي و الديداكتيكي
د. جميل حمداوي

: توطئة        
يعد التقويم من أهم عناصرالمنظومة البيداغوجية، ومن المرتكزات الأساسية في العملية التعليمية- التعلمية ؛ لما له من علاقة وثيقة بالأهداف والكفايات المسطرة، علاوة علىكونه المعيار الحقيقي لتشخيص مواطن القوة والضعف في نظامنا البيداغوجي،وقياس تجاربنا الإصلاحية في مجال التربية والتعليم. وينضاف إلى ذلك، أن التقويم هو المعيار الحقيقي للتثبت من نماء الكفايات الأساسية أو الكفايات المستعرضة، بل يمكن القول: إن التقويم هو آلية إجرائية فاعلة في المجال البيداغوجي؛ لأنه يقوم بوظائف عدة، مثل: التقدير، والتشخيص، والاستشراف، والانتقاء الاجتماعي. ومن ثم، لا يمكن للعملية الديداكتيكية أن تنفصل فيها المدخلات عن العمليات والمخرجات، فالعلاقة متينة بين التمفصلات الثلاثة. بمعنى أن الأهداف والكفايات لايمكن التحقق منها باعتبارها مدخلات إلا عبر المخرجات التقويمية، مرورا بالعمليات التي تتمثل في المحتويات، والطرائق البيداغوجية، والوسائل الديداكتيكية.
إذا، ماهي دلالات التقويمالاصطلاحية والمفهومية؟ وما هي مرتكزاته ومكوناته وعناصره؟ وماهي أهدافه وأنواعه وآلياته؟ وكيف نستثمرنتائج التقويم بشكل إيجابي، فنستفيد منها نظريا وعمليا وميدانيا؟ تلكم هي الأسئلة التيسوف نرصدها بالتحليل في موضوعنا هذا.

مفهــــوم التقويــــم:
يعد التقويم من أهم عناصرالمنظومة البيداغوجية، ومن المرتكزات الأساسية في العملية التعليمية- التعلمية ؛ لما له من علاقة أساسية مع الأهداف والكفايات المسطرة، علاوة علىكونه المعيار الحقيقي لتشخيص مواطن القوة والضعف في نظامنا البيداغوجي، وأداة فاعلة للتثبت من نجاعة التجارب الإصلاحية في مجال التربية والتعليم.
ومن المعلوم أيضا، أن التقييموالتقويم وجهان لعملة واحدة، لكن التقويم أعم من التقييم والقياس؛ لأنالتقويم هو الحكم على عمل أو شخص أو شيء أو حدث أو مهمة منجزة بإصدار حكمقيمة. أي: إن التقويم هو تثمين وتقييم المنجز أو الشخص المرصود، بعد إخضاعهلطرائق ومعايير دوسيمولوجية وقياسية ( الأسئلة، والاختبارات، والروائز، والفروض.،والامتحانات...). أما التقييم، فيحيل على القيمة أو التقدير، سواء العددي منه أمالمعنوي. ومن ثم، يكون القياس أول خطوة يبدأ بها المقوم للحكم على المنجز، مادام خاضعا للقياس الكمي والكيفي. وإذا كان التقويم بمعنى التقدير العدديوالمعنوي اعتمادا على معايير قياسية محددة، فإنه كذلك سيرورة نسقية تهدفإلى تحديد مدى تحقق الأهداف والكفايات لدى المتعلم عبر العمليةالديداكتيكية.
هذا، وينصب التقويم على مدى تحكم المتعلم في مهارة ما، وتحديد درجة التحكم والإتقان. وليس المهم هو تقويم المعارف، بل تقويم الكفايات والقدرات المستضمرة لدى المتعلم. بمعنى التركيز على الكيف، وليس الكم. أي: تقويم مدى تحكم المتعلم في مهارات اكتساب الموارد، وحسن توظيفها. ومن ثم، فالهدف من بيداغوجيا الكفايات هو إعطاء معنى ما للتعلمات، مع تحويل المضامين والمحتويات إلى وضعيات ومشاكل مستعصية ومعقدة ومتنوعة ومركبة وجديدة.

مرتكـــزات التقويم:
ينبني التقويم على طرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية، مثل: لماذا نقوم؟ وماذا نقوم؟ ولمن نقوم؟ ومن يقوم؟ وماذا نقوم؟ ومتى نقوم؟ وأين نقوم؟
ويعني هذا أن هذه الأسئلة تحيل على المقوم (المدرس، والمشرف، والتلميذ، والمكون، والمتعلم، والتكوين...)، أو على العمل المقوم (إنجازات المتعلم الكتابية والشفوية، والمعارف، والمهارات، والكفايات النوعية والمستعرضة...)، وتحديد الهدف من التقويم (تحديد أهداف إجرائية أو كفايات نمائية )، وطبيعة التقويم(تقويم ذاتي أو تقويم موضوعي، فروض، واختبارات، وروائز...)، وتبيان زمان التقويم ومكانه، ثم تبيان لمن يتم هذا التقويم (القطاع المسؤول عن التربية والتعليم، مستقبل التلميذ، التكوين، المتعلم...)

وظائـــف التقويــم:
من المعروف أن للتقويم عدة وظائف أساسية، منها: الوظيفة الاجتماعية التي تتمثل في معرفة مدى صلاحية النظام التربوي لمسايرة التطور الاجتماعي، ومدى قدرة المدرسة على تغيير المجتمع أو التكيف معه، ومدى قدرتها على إعداد المتعلم اجتماعيا، وتأهيله نظريا وتطبيقيا لخدمة المجتمع، والسير به نحو آفاق زاهرة.
أما الوظيفة البيداغوجية، فتتجلى في تقويم العملية التعليمية-التعلمية، والتحقق من تحقق الأهداف المسطرة في شكل سلوكيات وكفايات، واختبار الطرائق البيداغوجية والوسائل الديداكتيكية والاستراتيجيات المتبعة في إلقاء الدروس، وتحليل السياقات الاجتماعية والنفسية للمتعلمين، بغية معرفة مواطن الخلل والإخفاق عن طريق المعالجة والفيدباك. ويعني هذا أن التقويم إجراء تشخيصي لمستوى المتعلمين والأساتذة معا.
وهناك أيضا الوظيفة المؤسسية التي تحيلنا على سلطة المدرس حين يشهرها في وجه التلميذ، أو الخضوع للنظام المؤسسساتي التراتبي والطبقي. وفي هذا الصدد، يقول بلبل(PELPEL):"إن هدف الوظيفة الاجتماعية هو في الأخير توزيع الأفراد حسب أذواقهم وقدراتهم على مجالات مختلفة من الحياة الاجتماعية والمهنية، بينما نجد العكس في التقييم البيداغوجي حيث إن الهدف هو خلق مجموعة متجانسة، لأن المشروع البيداغوجي للمدرس لايمكن أن يهدف إلا إلى إنجاح الجميع، أو على الأقل الأغلبية. أما بالنسبة للوظيفة المؤسسية والتي تعتبر وسيطة بين الوظيفتين: الاجتماعية والبيداغوجية فهدفها لايمكن أن يكون إلا متناقضا: إنه في الوقت نفسه الارتقاء والتصفية. فقرار التصفية والارتقاء متعلقان بنوع السنة الدراسية: في بعض الأحيان تحدد مسبقا نسبة النجاح لمستوى معين. كما أن لنفس القرارين علاقة بالمؤسسات، فبعضها أكثر تسامحا، والبعض الآخر أكثر تشددا. أي: إنه أكثر تصفية".[1]
هذا، وتكمن أهمية التقويم في كونه فعلا طبيعيا وعقلانيا لاختبار مناهج التعليم، والتأكد من الأهداف التي تم تحقيقها و لم يتم تحقيقها عن طريق القياس والدوسيمولوجيا (Docimologie). كما أن التقويم واجب وطني من خلاله نتأكد من مدى نجاعة نظامنا التربوي الوطني، ومدى قدرة المدرسة على المواكبة، ونجاعتها في تأهيل المتعلمين للحاضر والمستقبل معا. كما أنه واجب اجتماعي لمعرفة الدور الذي يقوم به هذا النظام التربوي في تنمية المجتمع وتطويره، فضلا عن كونه أداة في عملية الإصلاح والتأطير والتكوين. وبصفة عامة، يساعد التقويم على تشخيص مواطن النقص والكمال لدى المدرسين والمتعلمين والإداريين والمشرفين والمسؤولين عن المنظومة التربوية والتعليمية على حد سواء، قصد اتخاذ القرارات الصائبة من أجل الإصلاح، وإيجاد الحلول المناسبة لكل التعثرات .
وللتقويم كذلك أهداف ووظائف أخرى، يمكن حصرها في اللائحة التالية من الأغراض والمقاصد:
u يهدف التقويم إلى تحديد تقدم المستوى التعلمي لدى التلميذ أو الطالب.
v تشخيص مواطن القوة والضعف في العملية التعليمية- التعلمية بصفة خاصة، والمنظومة التربوية بصفة عامة.
wتقويم طرائق التدريس من جهة، وتتبع العملية الديداكتيكية من جهة أخرى.
w التثبت من مدى تحقق الأهداف المعلنة في مدخلات الدرس.
x انتقاء المتعلمين الأكفاء المؤهلين، وتمييزهم عن غير الأكفاء.
y مساعدة المتعلم على التقويم الذاتي، وتصحيح الأخطاء المرتكبة بجردها، وتصنيفها، وتصحيحها، ومعالجتها.
z مراقبة المتعلم مراقبة متدرجة عبر مساره الدراسي.
{استكشاف طبيعة القدرات لدى المتعلم، واستجلاء طبيعة المواهب والذكاءات الموجودة لديه.
| يسعف المقوم على التغذية الراجعة، وتمثل المعالجة الداخلية والخارجية.} تشخيص مستوى المتعلمين قبليا وتكوينيا ونهائيا.
~ التقويم أداة مهمة في الانتقاء والتكوين وتنمية الكفاءات الإنمائية الأساسية، عبر مجموعة من المجزوءات الإجبارية والداعمة والتكميلية.
وعلى العموم، للتقويم أربع وظائف أساسية كبرى هي: الوظيفة التشخيصية (تبيان مواطن القوة والضعف)، والوظيفة التحكيمية (إصدار أحكم تقديرية)، والوظيفة الاستشرافية (تحديد مستقبل المتعلم وطبيعة التوجيه)، والوظيفة الإشهادية (الشهادة والدبلوم)..

مراحـــل عمليـــة التقويـــم:
تمر عملية التقويم التربوي والديداكتيكي – كما هو معروف- عبر ثلاث مراحل أساسية، وهي:
u  تحضير الاختبار: عن طريق تحديد هدفه، وعرض مضمونه، واختيار نوع الأسئلة، وتبيان معايير التصحيح وسلم التنقيط.
v  إجراء الاختبار: ينجز الممتحن الاختبار الذي قد يكون كتابيا أو شفويا، في زمان ومكان معينين. وبعد ذلك، تصحح الإجابات في ضوء مقاييس معيارية مضبوطة.
w  استعمال الاختبار: بتفسير نتائجه، وأخذ القرارات اللازمة.
أما الجوانب التنظيمية للامتحانات المعيارية ( ما يسمى بالتقويم الخارجي)، فتعهد إلى لجان مختصة إما وطنية وإما جهوية وإما إقليمية لتعد الموضوعات الخاصة بكل امتحان . ويتم إعداد الامتحان انطلاقا من اقتراحات الأساتذة، مع احترام التعليمات الواردة في المذكرة الوزارية. وتجرى الامتحانات في المؤسسات التعليمية، وتسهر عليها أطر تربوية وإدارية ومشرفون لإضفاء المصداقية على الشهادات والدبلومات، بغية توفير تكافؤ الفرص بين التلاميذ.
وثمة عمليات مصاحبة لإجراء الاختبارات داخل مركز التقويم أو الامتحان، كتهييء القاعات بالعدد الكافي، ووضع لوائح المترشحين انطلاقا من المحاضر الجماعية، وتوزيع المترشحين على القاعات بالتنسيق مع الأكاديمية،وضبط الغياب، وإعداد لوائح المراقبين والقاعات المسندة إليهم (مراقبان في كل قاعة- مثلا-)، وإعداد أوراق التحرير والتسويد بالنسبة لجميع الامتحانات، وفتح الأظرفة الخاصة بالمواضيع أمام مرأى التلاميذ والمراقبين والمشرفين، والحرص على احترام مواقيت الامتحان. وتتم المراقبة داخل القاعة عبر التأكد من هوية التلاميذ، وتجريدهم من وثائقهم، وإعطائهم أوراق الامتحان والتسويد، والتثبت من توقيع المترشحين، بعد تسلم أوراق الامتحان، وضبط الغياب في أوراق صفراء مخصصة لذلك، وضبط حالات الغش في محضر الغش، وإرجاع الأوراق إلى إدارة المؤسسة. وبعد ذلك، ترجع إلى الإدارة الإقليمية والجهوية.
وتأسيسا على ما سبق، يعتبر التصحيح إجراء تربويا فاعلا في عملية التقويم والتقييم والقياس. وقد يتم التصحيح من قبل الأستاذ شفهيا أو كتابيا، سواء أكان ذلك في مجموعة كبيرة أم صغيرة. كما يتم من قبل المتعلم ذاتيا أو من قبل أقرانه.
ومن مواصفات التصحيح، أن يكون واضحا ومنتظما متتبعا لأعمال التلميذ، ومفردنا يحترم شخصية التلميذ، وإيجابيا يعترف بعمل التلميذ ومجهوده كيفما كان ناقصا، وينبغي أن يكون مبررا تبريرا تربويا كما وكيفا. وتتم عملية التصحيح بعد أن توزع الأكاديمية أظرفة الامتحانات على مختلف المؤسسات لترجعها في أوقات محددة. وتجري عملية التصحيح داخل المؤسسة، حيث يتم التأكد من عدد الأوراق الموجودة في الظرف، قبل عملية التصحيح وبعدها، والتأكد من النقطة النهائية. وتستلزم كتابة النقطة بالعدد والحروف مع التوقيع أثناء الوقوع في الخطأ أو السهو، مع الحرص التام على تطابق النقطة على الورقة مع النقطة المدونة في المحضر الجماعي، والمشاركة في عملية المداولات. وبعد ذلك، تستثمر نتائج الامتحانات الموحدة أو المعيارية في اتخاذ القرارات اللازمة على مستوى المؤسسة، والمستوى الإقليمي، والمستوى الجهوي، والمستوى الوطني، قصد تشخيص مواطن الضعف والكمال، وتحديد النواقص والإيجابيات، وإبراز مواطن الجودة والخلل، والقصد من ذلك هو تحسين مردودية النظام التعليمي.

 أنواع الامتحانات:
يمكن الحديث عن أنواع عدة من الامتحانات على النحو التالي:
® حسب طبيعتها:امتحانات كتابية وامتحانات شفوية.
®حسب التصحيح: امتحانات ذاتية وامتحانات موضوعية.
 ®حسب التوظيف والاستعمال: امتحانات معيارية (امتحانات وطنية) وامتحانات غير معيارية ( امتحانات مدرسية داخلية).
وهناك أيضا امتحانات التبريز لمعرفة مدى تحقق الأهداف الكفائية لدى المتعلم أو الطالب، وامتحانات الانتقاء لاصطفاء متعلمين معينين، وامتحانات التشخيص لتبيان مواطن القوة والضعف، وامتحانات استشرافية لتبيان مسار المتعلم في المستقبل من حيث نجاحه وإخفاقه.
والغرض من هذه الامتحانات هو تقويم المتعلم إيجابا أو سلبا، وتوفير للموجه معايير التوجيه المهني أو الدراسي، وتقديم شهادات صادقة للآباء والمجتمع المدني حول مردودية النظام التربوي من حيث التأهيل والكفاءات، مع منح المتعلم شهادة أو دبلوما لينال بها مكانة اجتماعية أو منصبا أو وظيفة ما.

أنـــواع التقويــــم:
ينقسم التقويم التربوي والديداكتيكي إلى أقسام عدة، منها:التقويم القبلي أو التشخيصي، والتقويم التكويني، والتقويم الإجمالي، والتقويم الإشهادي، والتقويم الكفائي والإدماجي، والتقويم الذاتي، والتقويم الإعلامي، والتقويم عبر المعالجة، والتقويم الدوسيمولوجي، وذلك كله على النحو التالي:

التقويم التشخيصي أو القبلي أو التمهيدي:
يقصد بالتقويم القبلي ذلك التقويم الذي ينصب على المكتسبات القديمة في إطار المراجعة والاستكشاف والاستثمار . كما أنه تقويم يحفز المتعلم على طرح الموضوع واستكشافه، أو هو تقويم تشخيصي يحاول معرفة مواطن القوة والضعف لدى المتعلم. وبالتالي، فله وظيفة إرشادية وتوجيهية وتشخيصية. وقد يكون التقويم القبلي أو التمهيدي بمثابة وضعية استكشافية، يراد بها إثارة انتباه المتعلم إلى موضوع جديد، قد يكون فعلا محور الدرس الكفائي.
وبناء على هذا التقويم، تتحدد الكفايات والقدرات المستهدفة، وتنتقى الوضعيات والمحتويات والمعارف والموارد . كما تحدد الطرائق البيداغوجية، والوسائل الديداكتيكية الوظيفية، والتقويم المناسب لقياس الكفاية واختبارها. وغالبا ما يكون التقويم القبلي أو الاستكشافي أو التشخيصي في بداية السنة أو بداية الحصة الدراسية، أو حين تحضير المقطع الأولي أو التمهيدي من الدرس.

التقويـــم التكوينــي:
 يكون التقويم التكويني في وسط الدرس، أو أثناء بناء العملية التعليمية- التعلمية، أو أثناء التنسيق بين أنشطة المتعلم والمعلم، ويهدف هذا التقويم إلى التثبت من صحة الحلول التي يقترحها المتعلم، و كيفية تعامله مع الوضعيات. و من ثم، يسعى هذا التقويم إلى مساعدة المتعلم على التقويم الذاتي لمعرفة الأخطاء المرتكبة. وينصب هذا التقويم على علاقة المدرس بالمتعلم من خلال أنشطة الوضعيات. وغالبا، ما يكون التقويم ذاتيا بالفعل.
هذا، ويستند التقويمالتكويني- الذي يتخلل العملية التعليمية-التعلمية بكل مراحلها- إلى التنظيم التربوي المنهجي، والتعرف على المساعدات الضرورية.
وعليه، تتمثل وظيفة التقويم التكويني في وظيفة تثبيت الكفاية وتعزيزها، وبناء الدرس كفائيا، وترسيخ الوضعيات بشكل إيجابي، وتكوين المتعلم تكوينا أدائيا وإنجازيا، وتطوير قدراته النمائية والمعرفية أثناء مواجهته للوضعية المستهدفة. وبطبيعة الحال، تتزامن هذه الوظيفة مع مرحلة الدرس الوسطي أو المقطع الرئيس.

التقويم الإجمالــي:
يكون التقويم الإجمالي أو النهائي في آخر الحصة الدراسية، بعد الانتهاء من المقطع الوسطي الذي يتخلل الدرس، ويكون هذا التقويم في شكل خلاصات عامة أو تطبيقات إدماجية قصيرة أو طويلة، أو تمارين فصلية و منزلية . ويعني هذا أن التقويم الإجمالي يرتبط بمدة معينة، بعد الانتهاء من فرض أو تجربة أو درس. ويهدف إلى قياس المعارف والمهارات، .والتثبت من مدى تحقق الهدف أو الكفاية في آخر الدرس.
ويستحسن أن تجمع كل التمارين التطبيقية والوضعيات الإدماجية في مرتب المتعلم الذي يسمى بـ (Port-folio) الذي يحدد مستوى المتعلم، من خلال تتبع إنجازاته عبر الفترة الدراسية .
ومن ثم، ينبغي أن يركز التقويم الإجمالي الهادف على كيفية اكتساب الموارد والمعارف والمهارات في إطار ما يسمى بالميتامعرفي، وقياس القدرات الكفائية، والابتعاد عن قياس المعارف والمعلومات المخزنة في الذاكرة.

التقويم المستمر:
هو تقويم مستمر ومتواصل، هدفه قياس تعلمات المتعلم وخبراته عبر مختلف مراحل الدرس أو التعلم. ويتم التقويم المستمر عبر الفروض والأنشطة الكتابية والشفوية، والأنشطة الموازية، والأعمال المنجزة، والمشاريع البيداغوجية المتنوعة...
وعليه، فالتقويم المستمر هو تقويم للمتعلم معرفيا ووجدانيا وحركيا، وتتبعه في كل مراحل التعلم والتكوين التي تؤدي إلى نقطة نهائية، تتمظهر بكل جلاء في طابعها العددي (النقطة) والكيفي (التقدير القيمي). ويدخل في هذا التقويم: نتائج الفروض الكتابية والشفوية، والأنشطة المنجزة في القسم أو الأنشطة المنزلية، ومشاركة التلميذ داخل القسم، والروائز القياسية، وكذا الأحكام الذاتية للأستاذ. وتساهم هذه المراقبة المستمرة في مراقبة الأستاذ لتلميذه، وتتبع تعلماته، وتقييم خبراته، وتصحيح العمليات الديداكتيكية التي ينجزها داخل الفصل الدراسي مع المتعلمين.
وينبغي أن تراعي في التقويم المستمر مجموعة من المبادئ، وهي:
uمبدأ الانتظام والاستمرارية: الهدف من هذا المبدإ إجراء وقفات تقييمية، بعد فترة معينة من التدريس والتحصيل، لمعرفة مدى تحقق الأهداف المسطرة في بداية المنهاج.
vمبدأ الشمولية: أن تشمل جميع وحدات المقرر، و تتناول جميع مراقي الصنافات المعرفية والوجدانية والحركية.
wمبدأ التنويع: أن تكون المراقبة المستمرة متنوعة في أساليب التقويم وآليات القياس والاختبار( امتحانات كتابية- فروض منزلية- أسئلة مقالية- أسئلة ذات أجوبة قصيرة).
xمبدأ التكوين: تهدف هذه المراقبة التقويمية إلى تكوين المتعلم، وتتبع تحصيله الدراسي، ومدى استيعابه لخبرات المقرر.
yمبدأ تكافؤ الفرص: لابد أن توفر المراقبة المستمرة الحظوظ نفسها للمتعلمين في استعمال الروائز والامتحانات والفروض نفسها....
وإذا أردنا كيفية احتساب المعدل - حسب الدبلومات- عبر الأسلاك التعليمية في التعليم المغربي- مثلا-، فإن امتحان نيل شهادة الدروس الابتدائية للمترشحين الرسميين يتخذ ثلاثة مستويات:
 المراقبة المستمرة بنسبة50٪ (جميع المواد الممتحن فيها لها معامل واحد).
الامتحان الموحد على صعيد المؤسسة بنسبة25٪ (جميع المواد الممتحن فيها لها معامل واحد، وعددها خمس).
الامتحان الموحد الإقليمي: بنسبة25٪ (اللغة العربية والتربية الإسلامية معاملهما معا3/ اللغة الفرنسية معاملها2/ الرياضيات معاملها 2).
أما بالنسبة لامتحان شهادة السلك الإعدادي بالنسبة للمترشحين الرسميين، فالمراقبة المستمرة بنسبة30٪ (جميع المواد لها معامل واحد)، والامتحان الموحد على صعيد المؤسسة بنسبة 30٪( المواد ذات معامل واحد)، والامتحان الموحد على الصعيد الجهوي بنسبة 40٪( أربع مواد لها معامل 3 كاللغة العربية والفرنسية والرياضيات والتربية الإسلامية، أما الاجتماعيات فمعاملها 1).
أما شهادة البكالوريا الأدبية، فيأخذ الامتحان الجهوي في السنة الأولى من سلك البكالوريا نسبة 25٪، إذ يمتحن التلميذ في أربع مواد( التربية الإسلامية معملها2،واللغة الفرنسية معاملها3، والعلوم الطبيعية معاملها1، والرياضيات معاملها1)، بينما تكون المراقبة المستمرة في السنة الختامية بنسبة 25٪ في جميع المواد حسب معاملاتها الرسمية، ويكون الامتحان الوطني الموحد بنسبة50٪ في أربع مواد أساسية، وهي: اللغة العربية والفلسفة والإنجليزية والاجتماعيات، وكل مادة لها معامل(3).وما يقال عن الشعبة الأدبية، يقال كذلك عن شعبة العلوم التجريبية، لكن بمواد مختلفة. ففي الامتحان الجهوي، يمتحن التلميذ في خمس مواد، وهي: اللغة العربية والتربية الإسلامية والاجتماعيات والترجمة بمعامل2 لكل مادة، والفرنسية بمعامل6. وفي السنة الختامية، يكون الامتحان الوطني في خمس مواد هي: الرياضيات والفيزياء والطبيعيات بمعامل7 لكل مادة على حدة، والفلسفة والإنجليزية لكل منهما معامل2.
ويتبين لنا من هذا كله، أن الانتقال من قسم إلى آخر داخل سلك دراسي معين يتم عبر المراقبة المستمرة وبعد مداولة مجلس القسم، ومن سلك إلى آخر بواسطة الدبلوم. وقد تم تقليص الامتحانات بالنسبة للمتعلمين في آخر سلك من الأسلاك التعليمية إلى أربع مواد أو خمس. ويتخذ الامتحان كذلك تدرجا هرميا، فيكون على صعيد القسم و المؤسسة، ثم الإقليم. وبعد ذلك، على المستوى الوطني. كما تتغير نسب المراقبة المستمرة من نهاية سلك إلى آخر من 50٪ بالنسبة لشهادة الابتدائي إلى 30٪ لشهادة السلك الإعدادي إلى 25٪ لشهادة البكالوريا. كما تعتبر نقطة الصفر موجبة للرسوب في الامتحان الوطني الموحد، وفي نيل الشهادة الابتدائية والإعدادية.

التقويـــم الإعلامــــي:
يهدف التقويم الإعلامي (INFORMATIVE) إلى تقويم العملية الديداكتيكية في مختلف مراحلها الدراسية ومقاطعها التكوينية والبنيوية، كأن نقوم – مثلا- مرحلة الاستكشاف، ومرحلة المقطع الوسطي، ومرحلة الاستنتاج النهائي. وهدفه الرئيس هو جمع كل المعلومات الضرورية حول الفعل الديداكتيكي، وجرد ثوابته ومتغيراته، وتعيين محطاته الأساسية. ومن ثم، يسهل عملية التحكم في المسار الديداكتيكي. كما يتبنى هذا التقويم مجموعة من المناهج، مثل: الاستمارة، وملاحظة القسم، والتعليم المصغر، والإشراف التربوي، واستعمال شبكة فلاندرس (Flandres) لرصد التفاعلات التربوية والدياكتيكية داخل الفصل الدراسي.

التقويــم الكفائي أو الإدماجــي:
يهدف التقويم الكفائي إلى قياس القدرات الكفائية لمتعلم ما وفق وضعيات معقدة ومركبة محددة . وتعمل على تقويم أو تقدير مختلف القدرات لدى المتعلم أثناء استدماجه لموارده التعلمية بغية حل الوضعيات - المشكلات. لذا، يسمى هذا التقويم أيضا بالتقويم الإدماجي. ويهدف هذا التقويم إلى تطوير الكفايات النمائية، وقياس قدرات المتعلمين أثناء حلهم للوضعيات-المشكلات.
ويستند هذا التقويم إلى مجموعة من المعايير، مثل: معيار الملاءمة (ملاءمة الحل للمشكل الموضوع)، ومعيار التصحيح( يعني صحة الأجوبة المقترحة في علاقتها مع الوضعية – المشكلة. أي: أن تكون الموارد الموظفة منسجمة مع الوضعية-المشكلة، و يكون التصحيح واضحا ودقيقا، فيه نوع من العدالة والمصداقية)، معيار الإتقان أو الكمال. بمعنى أن يكون حل الوضعية مكتملا وشاملا لجميع عناصر الوضعية- المشكلة. ومعيار الأصالة الذي يتمثل في اقتراح أفكار شخصية جديدة لحل الوضعية-المشكلة.
أما عن المبادئ الأساسية لتقويم الكفايات، فتتمثل في ترابط الوضعيات بالسياق، وتوظيف جميع المعارف والموارد المستعرضة لحل الوضعية المشكلة، و الاعتماد على وضعيات مشكلات أو وضعيات معقدة ومركبة وجديدة.
 وقد يتطلب حل وضعية ما مشاركة ثنائية تجمع المتعلم وزميله في الفصل الدراسي أو متعددة يشارك فيها بعض المتعلمين. ويستند التصحيح إلى إستراتيجيات معرفية وميتامعرفية لرصد الأخطاء ومعالجتها.
وللتوضيح أكثر، ترتبط بيداغوجيا الإدماج بالبلجيكي روجرز كزافيي (Xavier Roegiers)[2]، وتهدف إلى تطوير الكفايات في التعليم الابتدائي والإعدادي والعالي، من خلال إعطاء المعنى للتعلمات. ومن ثم، فقد كان التقويم ينصب على المعارف والإنتاج دون الاهتمام بالكفايات. ومن ثم، تساعد هذه الطريقة على النجاح من خلال تمهير المتعلم بمجموعة من الكفايات الإدماجية التي تسعفه في حل مشاكل الواقع. وللتمثيل: حينما نقول من الضروري أن نحمي البيئة، فهذا هدف عام، لا يمكن تقويمه بشكل من الأشكال.لكن حينما نضع هذا الهدف في شكل وضعية بالتركيز على الأسباب والحلول، يمكن الحديث آنذاك عن وضعية مشكلة هادفة وبناءة. وبالتالي، لايمكن أن تتعدى الكفايات ثلاثا في السنة في تخصص معين، وإذا تعدينا ذلك، فسنلتجئ إلى التقطيع وتجزيء المحتويات أكثر فأكثر.
وينضاف إلى ذلك، أنه لابد أن يكون التقويم عبارة عن وضعيات معقدة ومركبة من أجل التثبت من مدى تملك المتعلم للكفايات الحقيقية، ولابد أن توضع تلك الوضعيات في سياقات واقعية حية، عبر تقديم مجموعة من الصور والأسناد والبيانات لمعالجتها. ويترتب على ذلك صدق التقويم وثباته. وهذا ما يسمى ببيداغوجيا الإدماج أو المقاربة عبر الكفايات الأساسية.
وبناء على ما سبق، ننتظر من المتعلم إجابات أصيلة ومبدعة لحل وضعية ما، ولابد من تقويم ما أنتجه المتعلم في ضوء مجموعة من المعايير التي يسميها روجرز مؤشرات التصحيح (critères de correction). ومن ثم، فمعيار التصحيح هو ذلك المؤشر الذي ينبغي مراعاته في إنتاج التلميذ، مثل: الإنتاج الواضح الدقيق، والإنتاج المنسجم، والإنتاج الأصيل....إذاً، فالمؤشر هو وجهة نظر من خلالها نقوم عملا ما. فإذا أردنا أن نقوم لاعبا رياضيا ما، فقد نركز على الأناقة، وجودة اللعب، وانسجام الفريق، والإنتاجية.
ومن أهم مؤشرات التقويم، نذكر: المؤشر الأدنى (Critère minimal) ومؤشر الإتقان. فمؤشر الأدنى هو الذي يحدد بعض الشروط لتحقيق كفاية ما، كأن نقول بأن السباح الكفء هو الذي لا يغرق. وبالتالي، يحافظ على توازنه. أما إذا أضفنا كفايات أخرى، مثل: السرعة، وشدة الحركة، والأناقة، واحترام القواعد، فإننا ننتقل إلى مؤشر الإتقان(critère de perfectionnement).
ولابد من التقليل من المؤشرات الدنيوية، وإلا سنكون قساة مع المتعلمين، حينما تتضخم هذه المؤشرات التقويمية. ويعني هذا أن التقويم لايبنى على محك الأخطاء، بل يبنى على قياس الكفايات المهارية، فليس هناك من لا يخطئ، ولا يعقل أن يكون الخطأ هو المعيار الوحيد للتقويم .
هذا، ويمكن الاستعانة أثناء التقويم الإدماجي بقاعدة دوكيتيل (De Ketele) التي تسمى بقاعدة 2/3 . بمعنى أن نسبة النجاح الكفائي هو الإجابة عن وضعيتين من ثلاث وضعيات.[3] ولابد من الاحتكام أولا إلى المؤشر الأدنى، بدلا من الاحتكام إلى مؤشر الإتقان التكميلي.
هذا، ولابد أن تكون معايير مؤشر الأدنى مستقلة عن بعضها البعض، فلا يعقل أن تكون الأسئلة مترابطة ومتتابعة ومتناسلة، لأننا سنكون قساة مع المتعلمين، بل لابد أن تكون الأسئلة منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض، لكي تكون هناك حظوظ متوفرة أمام المتعلم. علاوة على وجود معيار الانسجام الذي يستلزم ترابط أجزاء الموضوع منهجيا ومنطقيا، ومعيار الملاءمة الذي يعني تلاؤم أجوبة المتعلم مع تعليمات الوضعية ومعطياتها، ومعيار الاستعمال السليم لتقنيات التخصص، ومعيار الاتساق الداخلي. وبطبيعة الحال، هذا له علاقة بالكفاية الأساسية والكفاية النوعية.
وعليه، يتضمن اختبار التقويم ثلاثة شروط هي:
u أن يتلاءم التقويم مع الكفايات المطلوبة تقويمها.
v أن تكون الكفايات دالة ومحفزة على العمل.
w أن تنصب الكفايات على قيم إيجابية كالمواطنة وحماية البيئة مثلا[4].
كما يبنى الاختبار الإدماجي عبر مجموعة من المحطات على النحو التالي:
®تحديد الكفايات التي ينبغي تقويمها.
®بناء وضعية أو وضعيتين جديدتين ملائمتين للكفاية.
®وضع معايير التقويم المستقلة بشكل واضح ودقيق في ضوء قاعدة 2/ 3.
® كتابة الأسناد والتعليمات لكي تكون المهمة التي ينبغي إنجازها من قبل المتعلم واضحة.
® تحديد مؤشرات التصحيح التي سيعتمد عليها المدرس حين تصحيح ورقة الاختبار.
® وضع شبكة التصحيح.
وعليه، فمن الأفضل والأجدى الاكتفاء بوضعية واحدة أو وضعيتين على الأقل، وعدم تقسيم التعليمات إلى أسئلة فرعية جزئية متعددة، يجعل المتعلم أمام صعوبات معرفية ومنهجية؛ بسبب تعدد الأسئلة التي قد تكون متشابهة وتابعة للتعليمة الأولى أو الثانية أو الثالثة. بمعنى بناء أسئلة مستقلة هادفة وناجعة. ولابد من تجذير الوضعية داخل سياقها التداولي، وتكون وضعية جديدة، ويكون الإنتاج أصيلا. كما يجب الابتعاد عن نصوص ووثائق وأسناد معروفة، فلابد أن تكون جديدة وموضوعة ضمن سياق جديد.
هذا، وتقوم المؤشرات بدور هام في توفير تصحيح عادل، فقد يكون مؤشرا كيفيا، كأن نطالب المتعلم بتوظيف أفعال أو صفات أو أحوال أو تشابيه أو استعارات في وصفه، وقد يكون مؤشرا كميا، حينما نطالب المتعلم على مستوى التركيب بتوظيف ثلثي من الجمل صحيحة لكي ينال 2 / 3.
وعليه، فللتقويم الخاضع للمعايير والمؤشرات فوائد مهمة - حسب روجرز - هي[5]:
u تكون النقط عادلة. بمعنى أن التقويم ينصب – هنا- على الكفايات. ومن ثم، فكثير من الراسبين في التربة التقليدية قد يكونوا ناجحين، وكم من ناجح يستحق الإخفاق في النظرية الجديدة، مادام الهدف هو التركيز على الكفايات والقدرات المهارية، وليس على المعلومات وكثرة المعارف.
vتثمين النقط الإيجابية، بتقويم العناصر الأساسية، وإظهار مواطن القوة والعناصر الإيجابية في إنتاجات المتعلمين.
wتحديد هوية التلميذ الذي يستحق النجاح أو الإخفاق.
وعليه، لابد من تخفيض مؤشرات التقويم لتحقيق مدرسة النجاح والأمل. فكلما زادت معايير التقويم، ضاع التلميذ بين هذه المؤشرات. وبالتالي، لا يستطيع التحكم في الأجوبة المتعددة. لذا، فلابد من الاكتفاء بمؤشرين أو ثلاثة. كما يمكن الاكتفاء بكفايتين أو ثلاث كفايات أساسية. وكلما أكثرنا من مؤشرات التقويم، خاصة إذا كانت مؤشرات تابعة وغير مستقلة، فإننا نرتكب ظلما في حق المتعلم الذي نعاقبه مرات متعددة على الخطإ نفسه. ومن الأفضل كذلك أن يعرف المتعلم معايير التقويم لكي يستأنس بها، فيعطي كل ما لديه . و بالتالي، يمكن أن يلتجئ إلى التقويم الذاتي.
وتأسيسا على ما سبق، يعتمد التقويم الإدماجي على تسطير وضعية معينة مرتبطة بمواردها وسندها وحاملها وتعليماتها ومعاييرها ومؤشراتها التقويمية، بالإضافة إلى وضع شبكات التمرير والتحقق والمعالجة والدعم والاستدراك. ومن المعروف أن المدرس المدبر يقدم للمتعلم ثلاثة أنواع من الأنشطة الدراسية: أنشطة ديداكتيكية أو ما يسمى أيضا بالموارد أو التعلمات، وترد في شكل معارف عقلية وذهنية، أو في شكل قيم ومواقف وجدانية، أوفي شكل مهارات سلوكية حسية حركية. وهناك أيضا أنشطة موازية تكميلية تهدف إلى خدمة المتعلم تسلية وإفادة. وهناك كذلك الوضعيات الإدماجية التي توظف الأسناد المكتوبة والمصورة لحمل المتعلم على تعبئة الموارد التي اكتسبها أثناء أسابيع تعلم الموارد.
وعليه، تنقسم السنة الدراسية في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي إلى أربعة وثلاثين أسبوعا كاملا من النشاط الفعلي، يطابقها حجم حصصي من 1000إلى 1200ساعة. وتنقسم السنة الدراسية إلى أربع مراحل أو درجات، وتتكون كل مرحلة من ثمانية أسابيع، إذ يخصص الأسبوع الأول والثاني والرابع والخامس لإرساء موارد الكفاية، ويخصص الأسبوع الثالث من كل مرحلة للربط والتوليف والدعم والتقويم، أو ما يسمى كذلك بالإدماج الجزئي. بينما يخصص الأسبوع السابع والثامن للإدماج، فالسابع لإنماء الكفاية، ويخصص الأسبوع الثامن لتقويمها معالجة وتصحيحا ودعما.
هذا، ويستلزم تدبير الوضعية الإدماجية أن تقدم للتلميذ المتعلم مجموعة من الموارد في شكل وضعيات مركبة متنوعة، بغية أن يستدمج كل مكتسباته المعرفية ومواقفه الوجدانية ومهاراته الحسية الحركية، من أجل إيجاد حلول مناسبة لتلك الوضعيات المتدرجة في السهولة والصعوبة . و ينتقل المتعلم إلى إنماء كفايته الشفوية أو الكتابية عبر إنجاز مجموعة من الوضعيات الإدماجية تعلما وتطبيقا، بعد مجموعة من أسابيع إرساء الموارد، والربط بين التعلمات توليفا وتقويما.
 وبعد الانتهاء من الإدماج، يلتجئ المدرس إلى تقويم الكفايات المستهدفة، وتصحيحها في ضوء معايير الدعم المناسبة ومؤشرات التقويم الإدماجي، رغبة في إيجاد حلول علاجية داخلية وخارجية.
وهكذا، يعتمد المدرس في تدبير الوضعية الإدماجية على دفتر أو كراسة الوضعيات الإدماجية التي تتضمن مجموعة من الوضعيات والأسناد والصور الأيقونية والوثائق الدياكتيكية، المرفقة بمجموعة من التعليمات وسلم التنقيط. ومن جهة أخرى، هناك دليل الإدماج، ويشتمل على بطاقات التمرير أو الاستثمار، وشبكات التحقق، وكذلك شبكات التصحيح.
وعليه، يستوجب تدبير الوضعية الإدماجية أربعة مراحل متكاملة ومتتابعة، هي:
u فهم الوضعية الإدماجية عنوانا، وسياقا، وأسنادا، وصورا، ومقصودا، واستيعاب التعليمات بشكل جيد.
v إنجاز العمل المطلوب من خلال احترام تعليمات الوضعية، وإنجاز العمل كما هو مطلوب وموصوف، واستثمار الصور والوثائق بشكل جيد لخدمة الموضوع.
wالتحقق من جودة الإنتاج، عن طريق التحقق من مراعاة المواصفات، ومقارنة قيمة الإنتاج بالإنتاج المنتظر.
x المعالجة الداخلية والخارجية تقويما وتصحيحا ودعما من أجل تطوير الإنتاج. وهنا، يعتمد التصحيح الذاتي وتحسين الإنتاج.

التقويــم الإشهادي:
نعني بالتقويم الإشهادي ذلك التقويم المرتبط بشهادة أو دبلوم ما، يسمح للمتعلم بالانتقال من مرحلة دراسية إلى أخرى، أو بإجراء مباراة ما للحصول على وظيفة ما أو تولية منصب معين.
وعليه، ينتهي كل سلك دراسيبمنح شهادة أو دبلوم، فهناكشهادة الدروسالابتدائيةإثراجتياز السنة السادسة، وشهادة السلك الإعداديبعد النجاح فيالسنة الثالثة إعدادي، وشهادة البكالوريابعد اجتياز السنةالثانية من سلك البكالوريا.
وغالبا ما يكون التقويم الإشهادي في نهاية التكوين أو التعلم، ويتوج بامتحان يتسلم بعده المتعلم شهادة أو دبلوما معينا، يخول له أن ينال وظيفة ما أو يلج تعليما دراسيا أعلى . والغرض من هذا التقويم هو التثبت من صحة ما اكتسبه المتعلم من موارد ومعارف ومهارات، والتأكد من مدى تحقق الأهداف المسطرة من عملية التكوين والتعلم.
هذا، و يعتمد التقويم الإشهادي على الامتحان لمعرفة القدرات الكفائية لدى المتعلم، وربط ذلك بعملية النجاح والإخفاق. و من جهة أخرى، يعتمد على المباراة لانتقاء الأكفاء والمؤهلين جيدا لتولية وظائف الدولة، أو الولوج إلى بعض المؤسسات التعليمية الانتقائية، أو تعيين في وظيفة ما، سواء أكانت عامة أم خاصة أم شبه عامة.

التقويـــم الذاتـــي:
نعني بالتقويم الذاتي (autoévaluation) أن يصحح المتعلم أخطاءه بنفسه، اعتمادا على مجموعة من المؤشرات ومعايير وأدوات التصحيح الواضحة والدقيقة والبسيطة. ومن ثم، يساعد هذا التقويم المتعلم على تنظيم التعلمات وفق بيداغوجيا كفائية إدماجية.
وغالبا ما يستعين التقويم الذاتي بوضع شبكة التصحيح الذاتي(Une grille de correction) في ضوء مجموعة من المؤشرات الديداكتيكية والبيداغوجية . والهدف من ذلك هو معيرة التصحيح، ودفع المتعلم إلى التصحيح الذاتي في ضوء مجموعة من التعليمات والمعايير والمؤشرات التقويمية التي ترتبط بالوضعية والكفاية المقومة. ومن ثم، يحقق هذا التقويم نوعا من الموضوعية. وقد يدخل هذا النوع من التقويم أيضا ضمن ما يسمى بالتصحيح الذاتي (Autocorrection)، " إما بمنح التلميذ دليل التصحيح، وإما بمنحه أدوات ليصحح أخطاءه بنفسه؛ ومن هذه الأدوات: المعايير، والطريقة، والمراجع (القاموس، والموسوعة، والكتاب المدرسي...)، أو الجواب (وعليه في هذه الحالة تحديد الطريقة الموصلة إليه)، إلخ.
وهناك معالجة أخرى عن طريق المقابلة والمقارنة بين تصحيح ذاتي وتصحيح خارجي(تصحيح المدرس، وتصحيح التلاميذ الآخرين)، من أجل الاستفادة من زوايا الصراع السوسيومعرفي(التقايم)"[6]
ومن الأجدى أن يعتمد التقويم الذاتي على شبكة التصحيح لكي يقوم المتعلم بنفسه أو بمساعدة مدرسه على تبيان أخطائه، وتجريدها وتصنيفها وتقييمها وتقديرها وتقييمها. أي:" يجب معالجة إنتاجات التلاميذ، إلى جانب تثمينها والتصديق عليها في الآن نفسه، سواء كان المدرس هو من يختارها، أم تلاميذ آخرون، بمساعدة شبكة تصحيح (تقدم الجواب الصحيح)، أو شبكة تقويم، حتى لو تضمنت أحكاما سلبية أكثر من الإيجابية (يلزم الحرص، دائما، على البدء بإبراز الجوانب الإيجابية) . ويسري هذا الأمر على كل أنشطة المتعلم، ولاسيما إنتاجات التلاميذ في إطار أنشطة الإدماج. فإلقاء النظرة التحليلية عليها، بمنح التلاميذ تغذية راجعة دقيقة محددة ليتمكنوا من تحديد الجوانب التي ينبغي تحسينها. كما تفيدهم هذه النظرة التحليلية في التموقع بالنسبة إلى المستوى المنتظر في التقويم الجزائي."[7]
وعليه، فالتقويم الذاتي هو الذي يقوم به المتعلم بنفسه، حينما يصحح أخطاءه وفق مجموعة من المعايير والمؤشرات، اعتمادا على شبكات التصحيح والتحقق والاستثمار.

التقويم بالمعالجة (remédiation):
تعد المعالجة الطريقة التي تدفع المتعلم إلى تحقيق النجاح الدراسي. ويلتجئ إليها المدرس بعد الانتهاء من عملية تصحيح الفروض أو الاختبارات والامتحانات والروائز، بغية تشخيص مواطن الضعف والقوة، من خلال تمثل المعالجة الداخلية التربوية والديداكتيكية، وتمثل المعالجة الخارجية ذات الطابعين النفسي والاجتماعي. بمعنى أن المعالجة تهدف إلى اكتشاف الأخطاء، وتشخيصها، ووصفها، وتقديم معالجة إجرائية ناجعة. ومن ثم، تستند المعالجة الديداكتيكية إلى أربع مراحل:
u الكشف عن الأخطاء.
v وصف الأخطاء.
w البحث عن مصادر الخطإ.
x تهييء عدة المعالجة.
 ويعني هذا أن المصحح أو المقوم يبدأ بتحديد الأخطاء التي ارتكبها المتعلم في موضوعه حسب سياقها ومظانها. وبعد ذلك، يصف الأخطاء المرصودة في الإنتاج الشخصي، فيصنفها إلى أنواع، مثل: أخطاء صوتية، وأخطاء إملائية، وأخطاء صرفية، وأخطاء دلالية، وأخطاء تركيبية، وأخطاء تداولية...وبالتالي، يحدد مواطن الضعف والقوة لدى المتعلم بالبحث عن أسباب هذه الأخطاء، متسائلا عن مصدرها: هل ترجع إلى مصدر داخلي ديداكتيكي وتربوي أم إلى مصدر خارجي نفسي واجتماعي؟! بمعنى البحث عن عوامل ذاتية وموضوعية.
وفي الأخير، يقترح مجموعة من الإستراتيجيات لتجاوز هذه الأخطاء والنواقص والتعثرات التي قد ترتبط بالمدرس أو المتعلم أو بالنظام التربوي العام. ولا تتم المعالجة إلا إذا تكرر الخطأ مرات عدة.أما الذي يقوم بالمعالجة، فقد يكون المدرس نفسه، أو المتعلم نفسه في إطار التصحيح الذاتي، أو تلميذ آخر، أو قد يكون أخصائيا نفسانيا أو أخصائيا اجتماعيا أو ملحقا إداريا أو تربويا، وقد يلتجئ كذلك إلى وسائل الإعلام والسجلات الذاتية والبرامج الرقمية ...
هذا، ومن أهم الإستراتيجيات في المعالجة أنه يمكن الاعتماد على:
u التغذية الراجعة أو الفيدباك لتصحيح العملية الديداكتيكية، وسد ثغراتها المختلفة والمتنوعة، وتفادي نواقصها وعيوبها، سواء أقام بتلك التغذية الراجعة المدرس أم التلميذ نفسه اعتمادا على أدلة التصحيح.
 v المعالجة بالتكرار أو بالعمليات التكميلية.أي: بمراجعة المكتسبات السابقة، وإضافة تمارين تكميلية مساعدة للتقوية وتثبيت المعارف والقواعد الأساسية.
w تمثل منهجيات تعلمية جديدة، كمنهجية الإدماج، ومنهجية الاستكشاف، والاعتماد على التعلم الذاتي، وتمثل التعلم النسقي.
x إجراء تغييرات في العوامل الأساسية[8]، كتوفير الحياة المدرسية داخل المؤسسة، وإعادة توجيه المتعلم من جديد، وتغيير فضاء المدرسة، وخلق أجواء مؤسساتية ديمقراطية، والاستعانة بالأسرة أو علماء النفس والاجتماع والطب لتغيير العوامل السلبية التي يعيشها المتعلم في ظلها.

التقويـــم الدوسيمولوجي:
الدوسيمولوجيا في معجم البيداغوجيا هو علم الامتحانات، وقد تبلورت الدوسيمولوجيا سنة 1922 م مع هنري بييرون (Henri Piéron).
ويقصد بالتقويم الدوسيمولوجي(docimologie) قياس الامتحانات المدرسية، ومقارنة بعضها ببعض، وتبيان مواطن القوة والضعف فيها، واستجلاء الجوانب الذاتية والموضوعية، وإخضاع الامتحانات للمقاييس العلمية. وينضاف إلى ذلك، أن التقويم الدوسيمولوجي يعنى بدراسة الامتحانات الإشهادية ذات البعد الانتقائي، وتبيان علاقتها بالفروض والمراقبة المستمرة والروائز. علاوة على ذلك، يبحث التقويم الدوسيمولوجي في مختلف العوامل التي تتحكم في تقويم عمل التلميذ، سواء أكان كتابيا أم شفويا. بمعنى أن هذا التقويم يسعى جادا لمعرفة اختلاف نقطة التلميذ من مصحح إلى آخر، وأسباب هذا الاختلاف، وتبيان العوامل التي تكون وراء هذا التباين في عملية التقويم. وقد تكون هذه العوامل راجعة إلى: المقوم، أو إلى ظروف التقويم، أو إلى طبيعة الملفوظ أو السؤال.

تركيب:
وخلاصةالقول، يتبين لنا – مما سلف ذكره- بأن التقويم أعم من التقييم، والآتي، أنه عبارة عن معايير كمية وكيفية لقياس تعلمات التلميذ وخبراته وقدراته الكفائية، حين يوضع أمام وضعيات معقدة ومركبة وجديدة لحل مشاكلها المستعصية. ومن ثم، يساعدنا التقويم على معرفة مستوى التلاميذ، وتحديد مواطن القوة والضعفلديهم. كما يسعفنا في اختيار المناهج والبرامج الصالحة لتحسين المنظومةالتربوية والديداكتيكية، ويفيدنا كذلك في معرفة مدى تحقق الأهداف والكفاياتالمرجوة البلوغ إليها، ويعطينا صورة واضحة عن مدى ما تحققه المدرسة من نتائج،ويساهم عددا وتقديرا في التوجيه والإرشاد المدرسي.[9]
وعليه، فللتقويم مجموعة من الوظائف أهمها: الوظيفة التشخيصية، والوظيفة التحكيمية، والوظيفة الاستشرافية، والوظيفة الإشهادية، والوظيفة الإدماجية، والوظيفة الكفائية...
كما أن التقويم أنواعا عدة، فهناك : التقويم القبلي، والتقويم التكويني، والتقويم النهائي، والتقويم المستمر، والتقويم الإعلامي، والتقويم الكفائي والإدماجي، والتقويم الذاتي، والتقويم الإشهادي، والتقويم الدوسيمولوجي...
وفي الأخير، لاينبغي أن يقتصر التقويم على الوظيفة الكمية والعددية، بل ينبغي أن يتجاوز ذلك إلى الوظيفة الكيفية، ليصبح أداة إجرائية فعالة لمراقبة المنظومة التربوية في مختلف آلياتها التخطيطية والتدبيرية، مع تتبع مسارها بإحكام وإتقان من خلال الجمع بين المدخلات والعمليات والمخرجات.

..................
[1]- P . PELPEL : se former pour enseigner, Bordas, Paris, 1966, p : 105.
[2]- ROEGIERS, X. (2003). Des situations pour intégrer les acquis. Bruxelles : De Boeck Université.
[3]- DE KETELE, J.M. (1996). L'évaluation des acquis scolaires : quoi ? pourquoi ? pour quoi ?, Revue Tunisienne des Sciences de l'Éducation, 23, p. 17-36.
[4]- ROEGIERS, X. (2003). Des situations pour intégrer les acquis. Bruxelles : De Boeck Université.
[5]- ROEGIERS, X (2004). L'école et l'évaluation. Bruxelles: De Boeck Université.
[6]- انظر:بيداغوجيا الإدماج، ترجمة: لحسن بوتكلاي، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية، 2009م، ص:129.
[7]- انظر: بيداغوجيا الإدماج، ص:108.
[8]- انظر: بيداغوجيا الإدماج، ص:129.
[9]- محمد الدريج: تحليل العملية التعليمية، مطبعة النجاحالجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988، ص:86-87.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire